تخلص من ضغوط الحياة..
إيقاع الحياة المتسارع يضعنا تحت عجلة الضغوط المتزامنة
أستيقظ من نومي، ألهث في دروب الحياة.. اجتماعات، أوراق، مكالمات،مشاكل، فوضى، وطرق مزدحمة
إيقاع الحياة المتسارع يضغط على أعصابي، ومشاعر القلق والتوتر لاتفارقني، أشعر كأنني أغرق في بحر من الهموم والضغوط المتلاحقة، وقبل أن أفقد القدرةعلى السمع والإبصار، يأتيني صوته صلى الله عليه وسلم هاتفا عبر أربعة عشر قرنا منالزمان "أرحنا بها يا بلال"، ويثور التساؤل الحائر: لماذا فقدت الصلاة قدرتها علىبث الراحة والسلام بين جنبات نفوسنا المكدودة؟ وكيف يمكننا أن نستعيد الطاقةالكامنة في العبادات المختلفة بحيث تؤدي دورها في بعث الراحة والسكينة والسلامالنفسي بداخلنا؟
قد يثور البعض محتجا بأن علينا أن نؤدي العبادات المختلفة طاعة للهبدون النظر للفائدة المتحققة منها، ولكنني أحسب أن العبادات ما شرعت إلا لتضبطإيقاع حياتنا ولتضمن التوازن السوي بين جنبات نفوسنا وتملأها بالراحة والسكينةوالأمان، وذلك من خلال التواصل مع خالقنا وبارينا والقوة المسيطرة على هذا الكونبما فيه ومن فيه "ألا بذكر الله تطمئن القلوب".
فنحن مأمورون بأن نؤدي العبادات المختلفة على الوجه الأكمل، ونحنمأمورون بأن نتدبر ونتفكر حتى نعيد للعبادات المختلفة وظيفتها المفقودة.
الضغوط العصبية.. تعريف.. أنواع وآثار
وقد يكون من المفيد -قبل أن نغوص في بحار العبادات المختلفة باحثينعن جوهرها ودررها- أن نتعرف على الضغوط العصبية.. معناها، أنواعها، وتأثيراتها؛فإيقاع الحياة المتسارع يضعنا دوما تحت عجلة الضغوط المزمنة
وهذه الضغوط تؤثر تقريبا على كل مكونات الإنسان، ويضاعف من خطورةهذه الضغوط المزمنة أن تأثيراتها تتسلل في الخفاء وتفعل فعلها بصورة تدريجية وغيرملحوظة بحيث لا يدرك الإنسان حجم ما أصابه من خسائر إلا في المراحل المتأخرة.
تحدث الضغوط تأثيراتها على جسم الإنسان من خلال متلازمة الاستجابةالعامة للضغوط ؛ فمن خلال استجابة العراك والفرار يعد الجسم نفسه لمواجهة الخطر أوالهروب منه بإفراز هرمونات الأدرينالين والكورتيزول، والتي تزيد من طاقة الجسم،وهذه الاستجابة تعتبر ملائمة جدا للضغوط الوقتية قصيرة الأمد حيث تؤدي إلى حمايةالجسم من الأخطار التي تحدق به
ولكن الخطورة تكمن في استمرار الضغوط مما يؤدي لتراكم هذه الهرموناتالتي لا تجد لها أي مخرج محدثة انفجارا داخليا للطاقة واختلاطا بين طاقة العقلوطاقة الجسد مما يحدث تشوشا وارتباكا شديد الخطورة، وتزداد الخطورة إذا شعر الإنسانبأنه لا يملك قرار المفاضلة بين المواجهة أو الهروب وبأنه مجبر على أي منالخيارين.
ويمكن تقسيم مراحل استجابة الجسم عند التعرض للضغوطالمختلفة إلى ثلاث مراحل، وهي:
1. مرحلة الإنذار، وفيها يزداد معدلإفراز الهرمونات سالفة الذكر.
2. مرحلة المقاومة، وفيها يحدث نفاد للطاقةالمتولدة في مرحلة الإنذار.
3. مرحلة التهالك والإجهاد، التي يمكن اعتبارهانتاجا للضغوط المستمرة، مما يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب وغير ذلك منالأمراض والمشاكل التي تنتج عن التعرض المستمر للضغوط.
كما يمكن تقسيم الضغوط المختلفة بحسب مصادرها إلى: ضغوط داخلية (وهىالضغوط الناتجة عن سمات الإنسان الشخصية) وضغوط خارجية (نتاج عوامل خارجية). وأيضايمكن تقسيمها بحسب استجابة الإنسان لها إلى: ضغوط بناءة (تدفع لمزيد من العملوالإنجاز) وضغوط هدامة ومعوقة. وبحسب فترة التعرض يمكننا تقسيم الضغوط إلى: ضغوطوقتية متقطعة وضغوط مستمرة مزمنة.
وللضغوط آثارها الجسدية والعقلية والنفسية، وقائمة التأثيرات طويلةوممتدة ويصعب حصرها. فالآثار الجسدية تنتج عن تأثر كافة أجهزة الجسم، وينتج عنهاأمراض القلب وقرح المعدة والقولون العصبي، بالإضافة لزيادة نسبة حدوث داء السكريومضاعفاته، كما تتأثر الخصوبة، ويتأثر جهاز المناعة محدثا ضعفا عاما في مناعة الجسموزيادة في معدل حدوث السرطانات المختلفة.
والتأثيرات النفسية تشمل فيما تشمل الوسواس والفوبيا والاكتئابواضطرابات النوم المختلفة، بينما تقع اضطرابات الذاكرة تحت الاختلال في الوظائفالعقلية.
كيف نتعامل معالضغوط؟
قد لا نستطيع في هذه العجالة أن نوضح كل الآثار السلبية لبقاءالإنسان فترات طويلة تحت ضغوط مستمرة، ولكننا على الأقل نستطيع دق ناقوس الخطرمحذرين من آثار هذه الضغوط على صحة الإنسان الجسدية والنفسية والعقلية، ومطالبينبالبحث الدءوب عن حل لهذه المشكلة التي تتفاقم كل يوم.
وبما أنه قد يكون من المستحيل تغيير نمط وإيقاع الحياة المتسارعللغالبية العظمى ممن يعيشون في مجتمعاتنا الآن، ومع التسليم بفشل الطب الرسميبعقاقيره وكيماوياته في التعامل مع هذه المعضلة
فقد اتجه العلم للبحث عن سبل جديدة للوقاية والتخفيف من الآثارالمدمرة للضغوط المزمنة مثل تدريبات الاسترخاء والتأمل والتخيل واليوجا وفلسفتها؛وخضعت هذه الطرق المختلفة للبحث العلمي المنضبط لتحديد مدى فاعليتها وطريقةعملها.
والأبحاث المختلفة أكدت مدى فعالية هذه الوسائل في التقليل من هذهالضغوط وفي علاج آثارها المختلفة؛ وبالتالي أصبحت هذه الوسائل المختلفة تدرج فيالبرامج التي تستخدم للوقاية من الضغوط أو في علاج آثارها السلبية على جسمالإنسان.
والنظرة المتأملة تكشف عن تواجد هذه الوسائل بوفرة في عباداتناالمختلفة إذا أحسنا الفهم والأداء.. فهل يمكن أن يكون الحل في أن يجد كل منا لنفسهواحة يصنعها لنفسه ويفر إليها من هجير صحراء الحياة؟.
ويثور التساؤل: ما هي هذه الواحات التي يمكننا أن نقترحها نتيجةفهمنا لوسائل علاج الضغوط المستخدمة في الغرب؟ وما هي الآليات التي تفعل بها فعلهاالسحري في تخفيف الضغوط؟.
واحةالإيمان
من الملاحظ أن تأثيرات نفس الضغوط تختلف باختلاف الأشخاص الذينيتعرضون لهذه الضغوط، ومن هنا يمكننا أن نستنتج أن تأثيرات الضغوط لا تعتمد علىحجمها ونوعيتها بقدر ما تعتمد على استقبال الإنسان لحجم التهديد.
أي إن الاستجابة للضغوط لا يصنعها المثير ولكن تصنعها الطريقة التيتم بها استقبال هذه الضغوط، فتفاعلنا مع الضغوط ينشط بناء على استجابتنا العصبيةوبناء على إدراكنا لحجم التهديد مقارنة بنظرتنا نحن للعالم من حولنا ومقارنةبإدراكنا لحجم تحكمنا نحن في الظروف المحيطة بنا
ولقد أثبتت الدراسات انخفاض مستوى الضغوط ومستوى الاستجابة لها عندمن يشعرون بقدر أكبر من القدرة على التحكم في الظروف المحيطة بهم.
إذا كان العلماء والدارسون يعتبرون أن فلسفة اليوجا ونظرتها للعالمتعتبر من أهم المحاور التي تعطي لليوجا قيمتها وفعاليتها في التعامل مع الضغوط بماتتيحه من إعادة اكتشاف الإنسان لذاته ومعناه الإنساني وبما تمنحه له من شعور بالقوةالعميقة والتحكم، فهل نعيد نحن اكتشاف فلسفة الإسلام التي تعطي للإنسان قيمتهوقدرته المستمدة من كونه نفخة من روح الله؟!
واحة الاسترخاء والتأملوالتفكر
حين يركز الإنسان تفكيره على فكرة أو شيء ما من أجل اكتساب القدرةعلى المزيد من التحكم في القدرات العقلية، فإن التأمل بهذه الصورة يوفر للإنسانطاقته الجسدية والعقلية، ولقد درس هربرت بنسون في سبعينيات القرن الماضي الاستجابةالفسيولوجية للتأمل ووجد أنه تحدث استجابة معاكسة لاستجابة العراك والفرار.
وفيه يحدث انخفاض في معدل ضربات القلب والتنفس واحتراق الأكسجينوتوتر العضلات، وتأثير التأمل في تخفيض هذه العمليات الحيوية يفوق تأثير النوم، حيثتعطي 4-5 ساعات من النوم انخفاضا بمقدار 8% في معدل حرق الأكسجين بينما يعطي التأملانخفاضا بمقدار 10-17% في غضون دقائق قليلة.
ولقد أثبت د. دين أورنيس في ثمانينيات القرن الماضي فائدة هذهالتدريبات في علاج مرضى القلب؛ حيث حدث عند من يمارسون التأمل منهم انخفاض ملحوظ فيدهون الدم الضارة والكولسترول، كما حدث تراجع في التغيرات الحادثة في الشرايينالتاجية، وحدث انخفاض في معدل ضغط الدم والمقاومة الطرفية الكلية.
كما أثبتت الدراسات انخفاضا ملحوظا في مستوى مؤكسدات الدهون عند منيواظبون على التأمل وهذا يعني انخفاضا في نسبة التلفيات الحادثة في الأنسجة نتيجةلعمليات الأكسدة الضارة والتي تحدث عبر سنوات العمر.
وفي دراسة أجراها بنسون أثبت أن التأمل يكون أكثر فعالية فيمنيمارسونه كاستجابة لمعتقداتهم الدينية.
واحةالذكر
يمكن أن يتم التأمل بالتركيز والتفكر في شيء من مخلوقات الله (وردةأو شجرة مثلا) كما وضحنا في الفقرة السابقة. والطريقة الأخرى للتأمل تتم بالتركيزعلى كلمة واحدة أو عدة كلمات (الله، أو لا إله إلا الله، أو غيرها من الكلمات) وترديدها في صمت بعمق وتدبر وتركيز مع طرد صور الأفكار السيئة من العقل، وهذهالوسيلة تحدث نفس التأثيرات الفسيولوجية التي يحدثها النوع الأول. كما أنها تضيفبعدا آخر حيث يشعر المتأمل والذاكر أنه في معية الله الحكيم والمدبر.
واحةالتخيل
يعتبر من أقوى وسائل تقليل الضغوط، وتزداد الفائدة منه لو اقترناستخدامه بتمرينات الاسترخاء، وعلى الإنسان -أثناء ممارسة هذه التدريبات- أن يتخيلتواجده في مكان يبعث في نفسه الراحة والسكينة.
واحةالصلاة
هذه هي الواحة الجامعة.. ففيها كل ما سبق، فيها التأمل، وفيهاالذكر، وفيها يمكن أن يتخيل الإنسان تواجده بجنة عرضها السماوات والأرض، وفي الصلاةيشعر الإنسان بتمام التحكم في الكون والبيئة من حوله.
وفيلسوف الهند غاندي اعتبر الصلاة مفتاح الصباح ومزلاج المساء، فهيعلامة الأمل للإنسان، وهى تعني أن هناك قوة أعظم وأكثر حكمة هي التي ترشدنا فيحياتنا، فلا سلام بدون منحة أو عطية من الله، ولا توجد منحة من الله بدون صلاة.
والدراسات العلمية المختلفة أثبتت أن الصلوات تؤدي دورها بالفعل؛حيث لوحظ أن نسبة حدوث المضاعفات والوفيات في المرضى الذين يتعرضون لعمليات القلبالمفتوح تقل بنسبة 12% في المرضى المتدينين كما لوحظ فيهم أيضا انخفاض معدلات حدوثالاكتئاب المرضي المصاحب لدخول المستشفى. وللصلاة نفس التأثير -الذي يحدثه التأمل- على المصابين بأمراض القلب.
وبعد أن حاولنا استعراض بعض مما يمكن أن تفعله العبادات المختلفة منتأثيرات إيجابية على الجسم والنفس، فهل نجعل رمضان هذا العام فرصة لإعادة اكتشافمنجم العبادات الذاخر بكل نفيس؟!.
وأخيرا وليس أخرا كن مع الله تنعم بحياتك
إيقاع الحياة المتسارع يضعنا تحت عجلة الضغوط المتزامنة
أستيقظ من نومي، ألهث في دروب الحياة.. اجتماعات، أوراق، مكالمات،مشاكل، فوضى، وطرق مزدحمة
إيقاع الحياة المتسارع يضغط على أعصابي، ومشاعر القلق والتوتر لاتفارقني، أشعر كأنني أغرق في بحر من الهموم والضغوط المتلاحقة، وقبل أن أفقد القدرةعلى السمع والإبصار، يأتيني صوته صلى الله عليه وسلم هاتفا عبر أربعة عشر قرنا منالزمان "أرحنا بها يا بلال"، ويثور التساؤل الحائر: لماذا فقدت الصلاة قدرتها علىبث الراحة والسلام بين جنبات نفوسنا المكدودة؟ وكيف يمكننا أن نستعيد الطاقةالكامنة في العبادات المختلفة بحيث تؤدي دورها في بعث الراحة والسكينة والسلامالنفسي بداخلنا؟
قد يثور البعض محتجا بأن علينا أن نؤدي العبادات المختلفة طاعة للهبدون النظر للفائدة المتحققة منها، ولكنني أحسب أن العبادات ما شرعت إلا لتضبطإيقاع حياتنا ولتضمن التوازن السوي بين جنبات نفوسنا وتملأها بالراحة والسكينةوالأمان، وذلك من خلال التواصل مع خالقنا وبارينا والقوة المسيطرة على هذا الكونبما فيه ومن فيه "ألا بذكر الله تطمئن القلوب".
فنحن مأمورون بأن نؤدي العبادات المختلفة على الوجه الأكمل، ونحنمأمورون بأن نتدبر ونتفكر حتى نعيد للعبادات المختلفة وظيفتها المفقودة.
الضغوط العصبية.. تعريف.. أنواع وآثار
وقد يكون من المفيد -قبل أن نغوص في بحار العبادات المختلفة باحثينعن جوهرها ودررها- أن نتعرف على الضغوط العصبية.. معناها، أنواعها، وتأثيراتها؛فإيقاع الحياة المتسارع يضعنا دوما تحت عجلة الضغوط المزمنة
وهذه الضغوط تؤثر تقريبا على كل مكونات الإنسان، ويضاعف من خطورةهذه الضغوط المزمنة أن تأثيراتها تتسلل في الخفاء وتفعل فعلها بصورة تدريجية وغيرملحوظة بحيث لا يدرك الإنسان حجم ما أصابه من خسائر إلا في المراحل المتأخرة.
تحدث الضغوط تأثيراتها على جسم الإنسان من خلال متلازمة الاستجابةالعامة للضغوط ؛ فمن خلال استجابة العراك والفرار يعد الجسم نفسه لمواجهة الخطر أوالهروب منه بإفراز هرمونات الأدرينالين والكورتيزول، والتي تزيد من طاقة الجسم،وهذه الاستجابة تعتبر ملائمة جدا للضغوط الوقتية قصيرة الأمد حيث تؤدي إلى حمايةالجسم من الأخطار التي تحدق به
ولكن الخطورة تكمن في استمرار الضغوط مما يؤدي لتراكم هذه الهرموناتالتي لا تجد لها أي مخرج محدثة انفجارا داخليا للطاقة واختلاطا بين طاقة العقلوطاقة الجسد مما يحدث تشوشا وارتباكا شديد الخطورة، وتزداد الخطورة إذا شعر الإنسانبأنه لا يملك قرار المفاضلة بين المواجهة أو الهروب وبأنه مجبر على أي منالخيارين.
ويمكن تقسيم مراحل استجابة الجسم عند التعرض للضغوطالمختلفة إلى ثلاث مراحل، وهي:
1. مرحلة الإنذار، وفيها يزداد معدلإفراز الهرمونات سالفة الذكر.
2. مرحلة المقاومة، وفيها يحدث نفاد للطاقةالمتولدة في مرحلة الإنذار.
3. مرحلة التهالك والإجهاد، التي يمكن اعتبارهانتاجا للضغوط المستمرة، مما يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب وغير ذلك منالأمراض والمشاكل التي تنتج عن التعرض المستمر للضغوط.
كما يمكن تقسيم الضغوط المختلفة بحسب مصادرها إلى: ضغوط داخلية (وهىالضغوط الناتجة عن سمات الإنسان الشخصية) وضغوط خارجية (نتاج عوامل خارجية). وأيضايمكن تقسيمها بحسب استجابة الإنسان لها إلى: ضغوط بناءة (تدفع لمزيد من العملوالإنجاز) وضغوط هدامة ومعوقة. وبحسب فترة التعرض يمكننا تقسيم الضغوط إلى: ضغوطوقتية متقطعة وضغوط مستمرة مزمنة.
وللضغوط آثارها الجسدية والعقلية والنفسية، وقائمة التأثيرات طويلةوممتدة ويصعب حصرها. فالآثار الجسدية تنتج عن تأثر كافة أجهزة الجسم، وينتج عنهاأمراض القلب وقرح المعدة والقولون العصبي، بالإضافة لزيادة نسبة حدوث داء السكريومضاعفاته، كما تتأثر الخصوبة، ويتأثر جهاز المناعة محدثا ضعفا عاما في مناعة الجسموزيادة في معدل حدوث السرطانات المختلفة.
والتأثيرات النفسية تشمل فيما تشمل الوسواس والفوبيا والاكتئابواضطرابات النوم المختلفة، بينما تقع اضطرابات الذاكرة تحت الاختلال في الوظائفالعقلية.
كيف نتعامل معالضغوط؟
قد لا نستطيع في هذه العجالة أن نوضح كل الآثار السلبية لبقاءالإنسان فترات طويلة تحت ضغوط مستمرة، ولكننا على الأقل نستطيع دق ناقوس الخطرمحذرين من آثار هذه الضغوط على صحة الإنسان الجسدية والنفسية والعقلية، ومطالبينبالبحث الدءوب عن حل لهذه المشكلة التي تتفاقم كل يوم.
وبما أنه قد يكون من المستحيل تغيير نمط وإيقاع الحياة المتسارعللغالبية العظمى ممن يعيشون في مجتمعاتنا الآن، ومع التسليم بفشل الطب الرسميبعقاقيره وكيماوياته في التعامل مع هذه المعضلة
فقد اتجه العلم للبحث عن سبل جديدة للوقاية والتخفيف من الآثارالمدمرة للضغوط المزمنة مثل تدريبات الاسترخاء والتأمل والتخيل واليوجا وفلسفتها؛وخضعت هذه الطرق المختلفة للبحث العلمي المنضبط لتحديد مدى فاعليتها وطريقةعملها.
والأبحاث المختلفة أكدت مدى فعالية هذه الوسائل في التقليل من هذهالضغوط وفي علاج آثارها المختلفة؛ وبالتالي أصبحت هذه الوسائل المختلفة تدرج فيالبرامج التي تستخدم للوقاية من الضغوط أو في علاج آثارها السلبية على جسمالإنسان.
والنظرة المتأملة تكشف عن تواجد هذه الوسائل بوفرة في عباداتناالمختلفة إذا أحسنا الفهم والأداء.. فهل يمكن أن يكون الحل في أن يجد كل منا لنفسهواحة يصنعها لنفسه ويفر إليها من هجير صحراء الحياة؟.
ويثور التساؤل: ما هي هذه الواحات التي يمكننا أن نقترحها نتيجةفهمنا لوسائل علاج الضغوط المستخدمة في الغرب؟ وما هي الآليات التي تفعل بها فعلهاالسحري في تخفيف الضغوط؟.
واحةالإيمان
من الملاحظ أن تأثيرات نفس الضغوط تختلف باختلاف الأشخاص الذينيتعرضون لهذه الضغوط، ومن هنا يمكننا أن نستنتج أن تأثيرات الضغوط لا تعتمد علىحجمها ونوعيتها بقدر ما تعتمد على استقبال الإنسان لحجم التهديد.
أي إن الاستجابة للضغوط لا يصنعها المثير ولكن تصنعها الطريقة التيتم بها استقبال هذه الضغوط، فتفاعلنا مع الضغوط ينشط بناء على استجابتنا العصبيةوبناء على إدراكنا لحجم التهديد مقارنة بنظرتنا نحن للعالم من حولنا ومقارنةبإدراكنا لحجم تحكمنا نحن في الظروف المحيطة بنا
ولقد أثبتت الدراسات انخفاض مستوى الضغوط ومستوى الاستجابة لها عندمن يشعرون بقدر أكبر من القدرة على التحكم في الظروف المحيطة بهم.
إذا كان العلماء والدارسون يعتبرون أن فلسفة اليوجا ونظرتها للعالمتعتبر من أهم المحاور التي تعطي لليوجا قيمتها وفعاليتها في التعامل مع الضغوط بماتتيحه من إعادة اكتشاف الإنسان لذاته ومعناه الإنساني وبما تمنحه له من شعور بالقوةالعميقة والتحكم، فهل نعيد نحن اكتشاف فلسفة الإسلام التي تعطي للإنسان قيمتهوقدرته المستمدة من كونه نفخة من روح الله؟!
واحة الاسترخاء والتأملوالتفكر
حين يركز الإنسان تفكيره على فكرة أو شيء ما من أجل اكتساب القدرةعلى المزيد من التحكم في القدرات العقلية، فإن التأمل بهذه الصورة يوفر للإنسانطاقته الجسدية والعقلية، ولقد درس هربرت بنسون في سبعينيات القرن الماضي الاستجابةالفسيولوجية للتأمل ووجد أنه تحدث استجابة معاكسة لاستجابة العراك والفرار.
وفيه يحدث انخفاض في معدل ضربات القلب والتنفس واحتراق الأكسجينوتوتر العضلات، وتأثير التأمل في تخفيض هذه العمليات الحيوية يفوق تأثير النوم، حيثتعطي 4-5 ساعات من النوم انخفاضا بمقدار 8% في معدل حرق الأكسجين بينما يعطي التأملانخفاضا بمقدار 10-17% في غضون دقائق قليلة.
ولقد أثبت د. دين أورنيس في ثمانينيات القرن الماضي فائدة هذهالتدريبات في علاج مرضى القلب؛ حيث حدث عند من يمارسون التأمل منهم انخفاض ملحوظ فيدهون الدم الضارة والكولسترول، كما حدث تراجع في التغيرات الحادثة في الشرايينالتاجية، وحدث انخفاض في معدل ضغط الدم والمقاومة الطرفية الكلية.
كما أثبتت الدراسات انخفاضا ملحوظا في مستوى مؤكسدات الدهون عند منيواظبون على التأمل وهذا يعني انخفاضا في نسبة التلفيات الحادثة في الأنسجة نتيجةلعمليات الأكسدة الضارة والتي تحدث عبر سنوات العمر.
وفي دراسة أجراها بنسون أثبت أن التأمل يكون أكثر فعالية فيمنيمارسونه كاستجابة لمعتقداتهم الدينية.
واحةالذكر
يمكن أن يتم التأمل بالتركيز والتفكر في شيء من مخلوقات الله (وردةأو شجرة مثلا) كما وضحنا في الفقرة السابقة. والطريقة الأخرى للتأمل تتم بالتركيزعلى كلمة واحدة أو عدة كلمات (الله، أو لا إله إلا الله، أو غيرها من الكلمات) وترديدها في صمت بعمق وتدبر وتركيز مع طرد صور الأفكار السيئة من العقل، وهذهالوسيلة تحدث نفس التأثيرات الفسيولوجية التي يحدثها النوع الأول. كما أنها تضيفبعدا آخر حيث يشعر المتأمل والذاكر أنه في معية الله الحكيم والمدبر.
واحةالتخيل
يعتبر من أقوى وسائل تقليل الضغوط، وتزداد الفائدة منه لو اقترناستخدامه بتمرينات الاسترخاء، وعلى الإنسان -أثناء ممارسة هذه التدريبات- أن يتخيلتواجده في مكان يبعث في نفسه الراحة والسكينة.
واحةالصلاة
هذه هي الواحة الجامعة.. ففيها كل ما سبق، فيها التأمل، وفيهاالذكر، وفيها يمكن أن يتخيل الإنسان تواجده بجنة عرضها السماوات والأرض، وفي الصلاةيشعر الإنسان بتمام التحكم في الكون والبيئة من حوله.
وفيلسوف الهند غاندي اعتبر الصلاة مفتاح الصباح ومزلاج المساء، فهيعلامة الأمل للإنسان، وهى تعني أن هناك قوة أعظم وأكثر حكمة هي التي ترشدنا فيحياتنا، فلا سلام بدون منحة أو عطية من الله، ولا توجد منحة من الله بدون صلاة.
والدراسات العلمية المختلفة أثبتت أن الصلوات تؤدي دورها بالفعل؛حيث لوحظ أن نسبة حدوث المضاعفات والوفيات في المرضى الذين يتعرضون لعمليات القلبالمفتوح تقل بنسبة 12% في المرضى المتدينين كما لوحظ فيهم أيضا انخفاض معدلات حدوثالاكتئاب المرضي المصاحب لدخول المستشفى. وللصلاة نفس التأثير -الذي يحدثه التأمل- على المصابين بأمراض القلب.
وبعد أن حاولنا استعراض بعض مما يمكن أن تفعله العبادات المختلفة منتأثيرات إيجابية على الجسم والنفس، فهل نجعل رمضان هذا العام فرصة لإعادة اكتشافمنجم العبادات الذاخر بكل نفيس؟!.
وأخيرا وليس أخرا كن مع الله تنعم بحياتك